recent
أخبار ساخنة

جبل عتاقة

عزت عبد العزيز حجازي
الصفحة الرئيسية

 


أنظر إلى جبل "عتاقة" على الضفة الأخري للقناة، لا يحجب رؤيته هذه المرة الضباب الكثيف، أشعة شمس صفراء، تمنحه لوناً ذهبياً شاحباً، تطبق الظلال على صدره كانهيار خيمة رمادية، أغمض عيناي، أراه على شبكية العين، يمتد بمدقات ضيقة، متعرجة، وعرة، تشرف في بعض نواحيها على هوات غير متوقعة، كهوف لمسافات بعيدة، يقل الهواء داخلها، فيثقل فراغها، تفح بروائح بقايا وطاويط، فئران، ثعأبين، سحالي، حيوانات صغيرة دقيقة الحجم. تعرجات تحفل بتيارات هوائية كثيفة، مجهولة المصدر، بعضها ساخن، والآخر بارد، كهوف تتحول في الليل إلى كهف كبير، خاصة عندما يأفُل القمر وينآى، ساعتها تندمج أطراف الصخور، وتضيع كل التفاصيل، وتتردد ألاف الأصوات مجهولة المنبع، عواء، خوار، مواء، صأصأة، صيحات حيوانات، لا تبين إلى أي جنس تنتمي، أزيز حشرات دقيقة، مُضيئة، لا تنشط  إلا في ليالي السواد الأعظم، أزيز طائرات مُقاتلة، يهوي من السماء دفعة واحدة، أبواق نحاسية، دق دفوف، عويّل نساء حزانى، جنازات كونية، ولا شئ يبعث على الرهبة بداخل جبل "عتاقة"  رغم ذلك، إلا هذا السكون الخبيث، الأجوف، الذي يهطل عليه فجأة في فترة ما قبل المغيب، يتسلل كسكون موجع من المسام إلى الدم، بدءاً من شحوب العصر، فيبدو كمقبرة للنهار، وأظن أن من فوقه يمكن رؤية مدينة "السويس" بكاملها، بحركة عرباتها فوق طرقاتها، ودخان منبعث من بعض مداخنها، ومدرجات إستادها الكروي. أذكر أن أبي قال لي، دات يوم، أن في هذا الجبل مدق يقطعه البغل، ذهابا وإيابا، في أسبوع كامل، وهناك قلة من يتسلقون هذا المدق الرهيب، فزلة واحدة تعني الموت.

author-img
عزت عبد العزيز حجازي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent