recent
أخبار ساخنة

لمحات من أحد طواغيت التاريخ (ستالين) (الإله.. الذي أنكروه)

عزت عبد العزيز جازي - المحامي
الصفحة الرئيسية


¨  
بعد أن أطلقوا عليه في حياته أسماء كثيرة، كادت أن ترفعه إلى مقام الآلهة أو الأنبياء.. فقد قالوا عنه أنه:(أحب شعبه، وأنه "المعلم والأب الحكيم").

.. ووصفه البعض فقالوا أنه (أمل العالم ونوره وضميره) وأنه (مجد كل من ولد بقلب أمين).

.. وفي السنوات الأخيرة من حياته قلت الإشارة إلى إسمه (ستالين) اكتفاء بكلمة الرفيق وحدها، كما كانت العادة من قبل، وأصبح لزاماً أن يضاف إليها كلمة (العظيم) وأطنبوا في ذلك، فقالوا أنه (شعلة البشرية التقدمية وأمنها) وأنه(صانع الحياة السعيدة) و(صاحب القلب الحنون) و(النسر الكبير) الذي يعلم النسور الصغيرة كيف تطير).

.. ولم يقصر الشعراء والأدباء من جانبهم في ذلك الموكب، فقال أحدهم إن الحروف التي يتكون منها إسم (ستالين) لابد لها أن تزهو وتفاخر بين الحروف الأبجدية الأخرى بصفتها الحروف التي يتكون منها إسم الزعيم الأكبر!.

.. وقال كاتب آخر إن صوت (ستالين) لا يقل تأثيراً في النفوس عن النبيذ المعتق الذي تنتجه سفوح التلال الجنوبية!.

(فوق على قمة من أوربا)

(أقمنا تمثالاً لأعظم رجل في هذا العصر)..

.. وقال شاعر آخر أن البلابل عندما تغرد فإنها تقول له:(لك المجد أيها البستاني العظيم!).

.. وسارعت الصحف بدورها لتقدم له –هى الأخرى- تحيتها، فأطلقت عليه صحيفة (الحياة الإقتصادية) إسم (شباب الأرض)، ولاحظت جريدة (إزفستيا) أن(ستالين) يشبه (الربيع البللوري)، وقاربته صحيفة (الحرية الإقتصادية) بالحكيم سقراط الفيلسوف اليوناني، وقالت أنه:

(عبقري الفكر.. بل إنه أعظم المفكرين حقاً!).

.. ووصفه أحد أكبر أعضاء مجمع العلوم الروسي (الأكاديمي) بأنه:(أعظم زعيم للعلم في جميع العصور.. وجميع الدول)!!.

.. وكانت الخطب التي تلقى في مختلف المناسبات، حتى الفنية، تمتلئ بعبارات الإطراء والمديح التي كانت تقابل من الجماهير المستمعة بالهتاف الطويل، والتصفيق المتواصل، وكثيراً ما كان الخطيب يقول وهو يخاطب (ستالين):

(سلام عليك!)

و(إننا لنتمنى سنوات عديدة من السعادة لزعيمنا الحكيم، وحبيبنا الأوحد الرفيق "ستالين")

.. وفي عام 1949، عندما كان (ستالين) يحتفل بعيد ميلاده، وكان قد بلغ السبعين من عمره، خطب رئيس الإتحاد السوفيتي الأعلى فقال إن (ستالين) (أعظم قائد عسكري ظهر في جميع العصور، وفي جميع البقاع!).

.. كما قال (مولوتوف) في نفس المناسبة أن (ستالين) (هو الذي قاد بلادنا إلى النصر!).

.. وجاء في رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومجلس وزراء اتحاد الجمهوريات السوفيتية التي رفعت إليه عندما بلغ السبعين من عمره:

(إن كل الأجيال المقبلة سوف تمجد إسمك)

(وإن قلوب ملايين العمال في جميع أنحاء العالم لتمتلئ بالحب الخالص لك، يا سيد العلم العظيم، ومهندس الشيوعية الأكبر)

(معلمنا ومرشدنا وأحسن أصدقائنا)

.. وقال راديو (موسكو)9 وهو يصف (ستالين) في إحدى المناسبات أنه:

(الرجل الذي لا نهاية له.. إنه يشبه النور وأمواج المحيط).

.. وقال كاتب روسي يصف (ستالين):

(إنه كالشمس.. يبدو عالياً مضيئاً قوياً.. والحرارة التي تنبعث من أشعته تفيض دفئاً على شعوب العالم!).

.. ولكن كاتباً روسياً آخر هو (ألكساي تولستوي) لم يعجبه هذا الوصف فقال إن(ستالين):

(أكثر من الشمس.. لأن الشمس لا حكمة لديها!).

.. وكانت صورته ترى في كل مكان، وكان هناك مصنع في روسيا لا عمل له إلا إنتاج تماثيل من الجبس لـ(ستالين) لكي توزع على جميع الجهات.. وهكذا كان وجه(ستالين) على التلاميذ في كل فصل من فصول المدرسة، وعلى العمال في كل مصتع، وعلى الموظفين في كل مصلحة، بل وفي معظم المنازل!.

.. وعند مدخل القناة التي تصل بين نهري (الفولجا) (الدون)، أقيم تمثال ضخم من النحاس لـ(ستالين)، وكان وزنه يبلغ نحو 35 طنا!.

.. وفي محطة (مترو) موسكو الذي يسير تحت الأرض، أقيم لـ(ستالين) تمثال آخر من المرمر الملون!.

.. وفوق جبال (البرز) في القوقاز، وهى ترتفع 18468 قدماً فوق سطح البحر، أقيم تمثال آخر لـ(ستالين) نقشت عليه هذه العبارة :

(فوق أعلى قمة في أوربا أقمنا تمثال لأعظم رجل في هذا العصر!).

.. وتضاءلت عظمة (لينين) أمام عظمة (ستالين)، فإن إسم (لينين) لم يطلق على مدينة إلا بعد موته. ولكن إسم (ستالين) أطلق مدة حياته على مدن كثيرة منها: ستالينجراد، وستالين آباد، وستالينيز، وستاليني وستالينيكيا، وستالينو جورسك، وأطلق إسم (ستالينيسك) على مدينتين.. وإسم (ستالينسكويا) على ثلاث مدن روسية.

.. كما أطلق إسم (ستالينو) على أربع مدن.

.. وليس من السهل حصر عدد الشوارع والمزارع الجماعية والمتاجر والسفن والجسور التي أطلق عليها إسم (ستالين) في جميع أنحاء روسيا.

.. وكانت الجهود تبذل دائماً لتصوير (ستالين) أكبر مما هو في الحقيقة، بل ولإبرازه في شكل يخالف شكل البشر العاديين، حتى يؤمن الناس أنه لم يكن إلهاً صغيراً، فإنه –على الأقل- مخلوق ممتاز!.

.. منذ وصف راديو موسكو يوماً في أحد ادعاءاته خواطر تلميذ صغير وهو يمر أمام الكرملين، ويفكر في (ستالين) فيقول:

(عندما يغيب الضوء سيذهب "هو" –أي ستالين- إلى فراشه، فهل يا ترى ينام كما ينام سائر الناس..

.. وفي كل مرة تشرق الشمس على (موسكو).. يخيل لي أنه هو الذي يحرك مفتاحاً في يده فيضئ النور!).

.. وفي ذات يوم سمع في إذاعة لراديو براغ، في تشيكوسلوفاكيا وصف لـ(ستالين) جاء فيه:(أنت إسم آخر للخلود)!!.

.. ولكن (ستالين) مات في يوم من الأيام كما يموت سائر البشر، وعرف الناس روسيا أن الخلود لله وحده، وصدر بلاغ رسمي من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومجلس الوزراء ينعى (ستالين) للشعب، وقال الزعماء الذين نعوه في عبارات باكية.

(إن أعظم القلوب الإنسانية قد نبض نبضته الأخيرة، فلا حراك له بعد اليوم)

(لقد توقف قلب القائد والمعلم الحكيم عن الخفقان!.).

(ولكن إسم ستالين الخالد العزيز علينا سيعيش دائماً وسيظل حياً إلى الأبد في قلوب الشعب السوفيتي وجميع الشعوب التقدمية!.)

.. وبكى (مولوتوف) وهو يودع (ستالين) الوداع الأخير فقال:

(اليوم نشعر بأسى رهيب، ولكن حياته المضيئة كلها بالأفكار العظيمة ستظل لنا نبراساً حياً!.)

.. أما باقات الزهر التي أرسلت لتوضع على نعشه فلم يكن من السهل حصرها هى الأخرى، شأنها في ذلك شأن الدموع الحارة التي أذرفت حزناً عليه يوم موته.

.. ولكن لم تمض سنوات ثلاث على وفاة (ستالين) حتى فوجئت روسيا، بل فوجئ العالم كله، بعملية تحطيم عجيبة، تجري بكل همة ونشاط في روسيا للقضاء على سمعة الإله الذي دفن منذ ثلاث سنوات!!.

.. ومع هذا لم يكن (ستالين) الوحيد الذي رآه الناس وهم في ذهول يهيلون التراب على صورة الرجل العظيم، الأب الحكيم، الخالد، القائد، الألم، بعد أن أصبح في نظرهم شخصاً عابثاً، جاهلاً، جباناً، قاسياً، شريراً، مستبداً، مجنوناً... متوحشاً.

.. هكذا حدث لـ(ستالين) بعد ثلاث سنوات فقط من موته؟!

.. وهكذا حدث لكل طغاة التاريخ!.

author-img
عزت عبد العزيز جازي - المحامي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent