أترك تأملي لامتداد الوادي الفسيح، وألتفت إلى الخلف، فأبصر شيئاً ما يتحرك
تحت فرشة رمادية رثة بطول حوالي مترين، وبعرض حوالي المتر ونصف، أظنها بطانية
ميري، أو هى كذلك بالفعل، وتمتد حتى قرب حافة التبة الخلفية، وملاصقة لجدار غرفة
الإشارة، وعلى كل زاوية من زواياها الأربعة صخرة صغيرة.
في البداية لم أعر الأمر أهمية، إذ لعله "خنفس"، أو
"سحلية" كالتي أبصرتها منذ قليل، أو حتى "فأر"، ومن أجل هذا،
إلتفت مرة أخرى للوادي، وقد بدا قرص الشمس بداخله ينز أشعته بلون الدم المُحتقن في
هذا الفضاء الفسيح جداً، جموحاً، بلا حواجز، تتخلله نطف خضرة لأشجار قزمية، وتلول رمال
حجرية. وعن يسار الوادي امتدت سلسلة جبلية عرضية على شكل قوس الرمح، يعلوها أفق غربي
غائم. ولم يكن عجباً، أن تسيطر تبتنا تلك من هذا العلو على عناصر الطبيعة كلها في
هذا المكان المنعزل عن العالم بأسره، الضوء، والريح، والحجر، والشجر، والكثبان
الرملية، وهذا المدق الأسفلتي الغائم الممتد عن يسار ويمين التبة، وحتى سلسلة الجبال
الجرد من الجهة الشرقية والغربية، والشاخصة نحونا كالعفاريت. وفي هذا الخليط الناطق،
لم أجد سوى التسليم بالإنطلاق المتبصر، ماسحاً ببصري الأجواء المحيطة، ومن جديد، أنظر
ورائي، وفي هذه المرة، ألكز كتف "جرجس"بيدي، والفزع المكبوت يتملكني، وبإشارة
من ذراعي "ُنظر هناك". فيهرع "جرجس" إلى الداخل، وفي لحظات، يأتي
زميلنا "عيد"بهرولة، وهو يحمل عصا خشبية غليظة بيده اليمني، وفي يده
اليسرى جركل بلاستيك مملوء، حتى ما فوق المنتصف بقليل، بسائل أسود.
هناك معلومة قديمة أميل إلى صحتها تقول "إن الثعابين بلا أذان"، وإلا
لكان هذا الثعبان الأصفر المسكين، قد فر هارباً من ضجتنا.
الحقيقة أني تسمرت أكثر في مكاني فوق منصة البوصلة، وكأنني وتد من أوتاد الأرض، يلفني
البهوت والذعر، وأروح أفكر (أنا ضائع ضائع لا محالة، إن لم يكن اليوم، ففي الغد، أو
بعد الغد، وأن نصيحة رائد عمليات الكتيبة، بشأن الحفاظ على رقابنا بأنفسنا، هى
نصيحة في محلها بالفعل، وأن واقع نقطة 14 مراقبة يؤكدها الأن).
من أجواء روايتي القادمة "نقطة 14 مراقبة"