recent
أخبار ساخنة

عرق الخميرة

عزت عبد العزيز جازي
الصفحة الرئيسية


أطاع على مَضض سحب جواز سفره ليلة الوصول؛ والبشرى البليدة؛ الطافحة بخبث الثعالب ولدغ الحيات: إترزق الله يا ولد؛ وكل أول شهر تعطيني مائتي ريال.

بقنوط ويأس؛ يحمل هاندباجه من العربة الشبيهة بعربة البيانولا القديمة؛ أو بإرجوحة في رواق بيت مهجور.

يدلف من بوابة حديدية؛ يتلقفة خواء غرفة باردة.

تصطك أوصاله؛ برتمي فوق فرشة خشنة؛ باردة؛ تراوده ذكري نصح المحبين له: رزق هنا؛ رزق هناك.

لا تمنحه وفرة الأمال الغاربة؛ دوامات القنوط؛ غيلة إفتراس أحلامه؛ مطاردة رجال الجوازات؛ صرامه التعليمات؛ إنتحاب الأمنيات؛ كفيل فقير؛ لا يملك من حطام أيامه غير عربة قديمة؛ عدد ضئيل من كباش وأغنام برية؛ خيمة فقيرة؛ منزل متداع؛ كومة من تأشيرات أعمال وهمية؛ مؤسسة مقاولات ورقية؛ وفي إغراء لا يخلو من ثقة متبحر بعلومه الدنيوية يبسطها أمامه بلكنة عربية مكسرة: ألا تريد الشقه والعروسه والشبكه والمهر والشوار وخلافه؛ سأعلمك كيفية طبخ هذا المشروب غالي الثمن؛ واترك التسويق وتأمين المكان لي.

لا يجد غير التسليم؛ وفي خن الغرفة بأخر صف جموع الغرف الخالية من روادها؛ الذين  فضلوا العودة علي البقاء في مكان قد تقتل فيه الأحلام؛ كما يقتل البعوض؛ او اسراب الجراد؛ يتوافق البيان اللفظي مع الشرح العملي؛ ومن سوق الأدوات المستعمله يبتاعا معاً حلة برستو ألمونيوم لزوم التسوية؛ موقد غاز لزوم التسخين؛ ياي نحاسي لزوم التقطير؛ ثلاث جراكل بلاستيك لزوم التخمير؛ غسالة ملابس صغيرة لزوم ضرب محتويات الخليط من خميرة البيره الناعمه والسكر المذابان في الماء؛ وتظل اللعبة دائرة؛ وتعمل الرائحة الذكية لشجيرات الريحان الكثيفة في الحوش المستطيل غير المسقوف على إخفاء الروائح الكريهة للشوائب السائلة الناتجة من عمليات التسوية والتقطير؛ كما يعمل الممر الملاصق لنافذة الألوميتال؛ بسوره العالي على إخفاء كولمن العَرَقْ المصَفي؛ والسحب منه بالطلب؛ ومع الوقت؛ يخبرا معاً الحساب البنكي؛ التحويلات النقدية؛ إرتياد الأسواق العامرة؛ إنجعاصة مقاعد المقاهي الزاهرة؛ إقتناء أفلام البورنو المثيرة التي يأت بها زميلهم التايلاندي من إحدى مغاسل ملابس جنود المارينز الأمريكان بالقاعدة العسكرية القريبة. 

مع صرير إحدى مرات فتح البوابة الحديدية الصدئة؛ تحيط بــ محمود الدائرة المحكمة برجال البحث الجنائي وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بذقونهم الكثة؛ زيهم المدني الأبيض؛ يتقدمهم حامل الطبنجة الميري القصير؛ النحيف: كم واحد بالمنزل؟

بوجه كسته حبات العرق: إثنين.

-وين التاني؟

-في الغرفة المضيئة.

فوق الممر الناعم؛ ينزلق كبيرهم؛ وفي ذيله رجلين يدفعان الباب الخشبي الموارب للغرفة البعيدة؛ يصرخ مهيب الطلعة في ضخم الجثة؛ المشغول بتسخين طعام عشائه تحت تيار التكييف البارد؛ الزاعق: قم؛ فز؛ البحث الجنائي معك؛ هاذي غرفتك؟.

بفزع: لا؛ غرفة محمود.

-وين غرفتك؟

-عند المدخل.

لا يمهلوه انتعال مداسه الخفيف؛ وفي بطن الغرفه المجاورة للبوابة الحديدية الصدئة؛ يعثر أحدهم في درج الطاولة الخشبي على ورقة وحيدة من فئة الخمسين ريال؛ يتطابق رقمها المطبوع مع الرقم المدون بيد أحدهم.

يهرولوا من الخارج بمرشد البحث الجنائي؛ منتشياً بقرب حصوله على مكافأة الألف ريال المرصودة له؛ وقبالة المتهمين؛ يوجه حامل الطبنجة سؤاله الحاسم:  مِن مَن ابتعت الشريط يا ولد؟

وهو يشير إلى الهندي: مِن هذا.

يحاول أميتاب الفكاك من دائرة السقوط؛ بنفي صلته به؛ فيعاجله أحدهم بلكمة ينثني في اثرها للأمام وهو يتأوه؛ قبل أن يعلق أحدهم  بيده القيد الفضي.

في الغرفة الأولى؛ تدس قوة الضبط  المخالب؛ تعمل النكش؛ يدير طويل القامة غطاء الكولمن المسجي سهواً من صباحة ربنا على الطاولة المجاورة للباب؛ فيرتج المكان بالصيحة: وعرق أيضاً؟

يرتقي أرشقهم درج السلم؛ ومن على السطح المشغي بالنفايات؛ بكراكيب الأشياء؛ يهبط بصيده؛ غير عابئ بثقل وزنه؛ ولا بالرغاوي المخمرة؛ الطافحة من ثقب غطائه.

يأمر كبيرهم بتحريز المضبوطات؛ إغلاق الأبواب؛ دس كلا المتهمين في عربتين منفصلتين؛ قبل أن تنطلق بهما بين شوارع المدينة الهادئة؛ هدوء شعشعة الفجر؛ وأحواش القبور.

 

author-img
عزت عبد العزيز جازي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent