recent
أخبار ساخنة

الكابوس

عزت عبد العزيز جازي
الصفحة الرئيسية


يحاول الفكاك من دائرة كابوسه؛ مؤرق منامه؛ شاطط مضجعه؛ قابض روحه؛ ما بين الموت والحياة؛ مبدد طقوس آياته الكرام.

يزيد من ماءه الطهور؛ المرشوش بالمسك والزعفران والعنبر؛ يمعِن في إطلاق دخان أعواد بخوره المخلوط بالشبَّه؛ الفاسوخة؛ عين العفريت؛ الحبهان؛ الجاوى؛ العود الهندي؛ السندركه؛ الكسبره؛ داسساً تحت فرشته الوثيرة أكوام الأحجبة الورقية؛ المثلثة؛ طلاسم التراقي والتعاويذ المبروكة؛ يقيم صلواته الخمس في المواقيت المعلومة؛ ينفث بين كفيه بآية الكرسي؛ المعوزتين؛ يمسح بهما على أجزاء جسده؛ قبل التشهد؛ والإستعاذه بالله من الشيطان الرجيم؛ ثم الختام بورد الشيخ الجليل. 

يأت إليه العرافون؛ ضاربي الودع؛ قارئي الفنجان؛ عالمي الكف؛ فاتحي المندل؛ حاسبي النجم؛ مفسري الأحلام؛ لفك طلسم مصابه الجلل؛ تفسير منامه؛ برأسه المبتوراً عن جسده بسيف الجلاد؛ كريه المنظر؛ مهيب الطلعة؛ المنقوش فوق مقبض سيفه المسلول: ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب.

(صدق الله العظيم). 

لا يفلح أعلم العرافين؛ أعتى المفسرين؛ شيوخ الفقاهين؛ كتب الرقائين؛ جلاء سره المكين؛ وعند كابينة حصر المشتروات؛ لكزة من الخلف؛ إلتفاته مدمجه بالذعر؛ رأس يطل عليه من فوق؛ لا يرى له جسداً؛ وإنما فقط رقبة غليظة؛ طويلة؛ مقوسة؛ حادة من أسفل؛ كأنها مخرطة؛ رقبة تنتهي من أمام برأس؛ ولا جسد؛ والأغرب؛ أنه لا يعجب؛ ولا يتساءل: كيف يمكن لرقبة أن تنبع من لا جسد. فهمه كله ظل هذا الرأس المطل عليه من أعلى؛ فهو حتى لا يطل عليه؛ وأنه لا يراه؛ أو ليس هناك بالمرة؛ وخوفه الآن؛ أن يراه فجأة؛ يعرفه؛ فينقض؛ ويعض؛ ولكن؛ أبداً؛ فقط غضب في عينيه؛ فقط انفعال؛ وعينان كبيرتان يطلان؛ مستقرتان عليه من الخلف؛ ولا شئ آخر؛ ثم؛ صيحة مكتومة: يا الله؛ إنه هو؛ بشحمه ولحمه؛ ذات الذي قتلته في كابوسي بحجر؛ نفس السحنة؛ ذات العبوس؛ تدويرة الرأس؛ الوجه المستطيل؛ اللحية الكثة؛ الطول الفارع؛ الرقبة الغليظة؛ الطويلة؛ المقوسة؛ الرداء الثقيل.

يفيق من تهويمته على لكزه أخري؛ أشد إيلاماً؛ وأمر ناهي: إتقدم في الصف يا زلمه؛ ما تعطلنا؛ أرجوك.

باستدارة موشومة بالضجر: الصبر طيب يا شيخ؛ لو مسـتعجل خذ مكاني؛ وما تتعصب علىّ بالله عليك.

كأنها لحظات العد التنازلي قبل انفجار المصيبة.

ينفخ؛ لنفاذ صبره؛ وفي تحرش: ها تبقشش عليّ يا خرفَان؛ إتقدم في الصف؛ وكفى.

ما يلبث أن ينفجر عراك؛ وأمام القاضي الشرعي: إقذف الرجل بتلك الحصاة.

وفجأة؛ يسقط الرجل في إثرها ميتاً وسط ذهول الحاضرين.

 

author-img
عزت عبد العزيز جازي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent