recent
أخبار ساخنة

البحر يفخر على النهر

عزت عبد العزيز جازي
الصفحة الرئيسية

 

  أيها النَّهر غُضَّ الطرف إستحياء منى، وطأطىء الرأس إجلالا لى، فأنا البحر الخِضَمُّ، ذو العُباب الثائر، واللج الزاخر، والقرار البعيد. أنا خُضَارةُ، مُسْتقرُّ الماء، ومرآة السَّماء، ومسبح النُّون، ومستودع الدُّرِّ المكنون. أنعم النظر، وأرجع البصر، هل ترى إلا علَما من الماء تحسِر  العين عن مداه، ويذهل الفكر لمرآه، ويعياَ بوصفه قلم الأديب، ولسان الخطيب، وتقف النفس دونه خاشعة حيرى، تقرأ فى أساريره المتجعّدة، آيات العزة والشّمَم، وترتِّل أناشيد الجلال والعظم. من أنت أيها النهر الذى تشقه السفينة غير آبِهة، وتعبره الأوزَّة سابحة، ويجمع شاطئيه جسر معقود، ويحوى ماءه خزَّان محدود؟. من أنت أيها النهر الذى تقيده القناطر، وتنزفه  الجداول، وتعوقه الجنادل، وينضب إذا شحّت الأمطار، ويعتكر إذا جُرْفه أنهار؟. أنا البحر رمز القدرة الإلهية، وعنوان العظمة الربانية، وآية الصانع الحكيم، الداخل إلىّ مفقود، والخارج منى مولود، والناس فوق ثَبَجى  دُود على عود. أغضب فيعج عجاجى وتلتطم أمواجى، وترتعد الشطوط، وتتعطل الثغور، وتقف السفن عن المسير. وأحلم فصفحتى كأديم السماء، يفيض منها الصفاء، والنقاء، وصدور الناس منشرحة، ونفوسهم جذِلة فرِحة، والموانى تموج بالعمل والعمَّال، والسفائن نشوانة كالعرائس تختال، أنا البحر ذو المد الفائض،والجزر الغائض  والأساطيل الحربية، والبواخر التجارية : تلك لأيام الكريهة والإنتقام، وهذه لأيام الرخاء والسلام. أنا البحر ذو الجزائر الكبيرة، والخلجان الواسعة، والسواحل المستطيلة، والمضايق المنيعة، والثغور الحصينة. ملتقى طرق المواصلات، ومقر الجوارى المنُشئات، تحمل الأرزاق والأقوات. منى يأكل الناس لحماً طريًّا، ويستخرجون حِلية يلبسونها، ويغوصون على الإسفنج والمَرجان،ويستخلصون الملح مصلح الطَّعام، ويتمتعون بمناخى الجميل، وهوائى العليل البليل، ويُهرَعون إلى حماماتى فى أويْقات الصيف، يستشفُون بها ويَتَبَرَّدُون . ومن بخار مائى يتكون السحاب الذى يسقط أمطاراً، يحيى الأرض المَوات أو يجرى أنهاراً، يسقى الحيوان والنبات، أيها النهر لا تقل إنى ممتد الشطوط، فأنا الذى أجريت ماءك، وشققت مجراك. ولا تقل إنى عذب فُرات، فكم حملت من جرائم الأوبئة والحُمَّات. ولولا ملوحتى، ما سغت فى الحلوق ولا سرَيْت فى العروق، ولا تفخر بأن ماءك وارد علينا، إن هى إلا بِضاعتنا رُدْت إلينا : -كالبحر يمطره السحابُ وماله فضل عليه لأنه من مائه.

 

author-img
عزت عبد العزيز جازي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent