recent
أخبار ساخنة

خليل خبيراً

عزت عبد العزيز جازي
الصفحة الرئيسية

  

  
قرأ خليل إعلاناً فى الصحف يقول :

( مطلوب خبير أشجار ، للعمل فى مطار )

وعندما قرأ خليل ، تفاصيل الإعلان ، عرف أن العمل ، سيكون فى أحد مطارات دولة إفريقية مُتقدمة .

وحين عاد إلى البيت ، قال لوالده  ، وكأنما يُلقى لُغزاً :

- أبى .. مطلوب خبير أشجار للعمل فى مطار ...!

     فقال أبوه :

- وماذا فى ذلك ؟ .. هذا ليس عجباً ..

     وكأنما إطمأن خليل لهذه الإجابة ، فقال :

- أبى .. ألست ترانى .. أنا .. أولىََ بهذه الوظيفة .. فأنت تعلم مدىَ حُبى للأشجار .

     فقال والده :

- نعم .. أكيد .. لكن مع حُبك للأشجار ، ينبغى أن يكون لك حُباً آخر .

- حُباً آخر ! ماهو يا أبى ؟

- هو شىء يُميزك عن غيرك ، لتفوز بهذه الوظيفة . فالحُب وحده لا يكفى .

- فهمت قصدك يا أبى ، ، تعنى المعرفة بالأشجار ، والمعرفة عموماً بالعمل ، الذى توَد أن تعمله .. أليس هذا ما تُريد قوله ،  إطمئن .. يا أبى .. ولَدَىَّ شىء آخر : ثقتى فى نفسى .

- إذن توكل على الله .. تقدم لهذه الوظيفة ..!

.. وفى يوم المقابلة الشخصية ، فى سفارة الدولة المعلِنة عن الوظيفة ، جلَس خليل أمام رجُلين يُناقِشانه ، بعد أن سبق وقبلوا أوراقه ، التى تقدم بها للوظيفة ، من حيث المبدأ .

أظهر الرجُلان له بشاشة فى بداية اللقاء ، بقصد ألا يشعُر بأنَّهُ أمام لجنة إمتحان صارمة .

     قال له أحدهما باسماً :

- عزيزى الشاب .. لو سألك سائِل ، ما علاقة المطار ، والطائرات ، بالأشجار والغابات .. فماذا تقول له ؟

      فقال خليل ، وقد سَعِدَ فى سِره ، مُتصوراً أنَ الإجابة على هذا السؤال ، فى مُنتهى السهولة !

- أقول ... إنها علاقة ضرورية .. إذ يجب أن تحيط أشجار الغابة بنطاق المطار ، كما تُحيط الإسورة بمعصم اليد ، وكما يُحيط العقد برقبة المرأة ..!

     فابتسم الرجل وقال بخُُبث :

- تقصد أشجار الغابة ، يجب أن تحيط بالمطار ، من أجل الزينة كما الإسورة فى المعصم والعُقد فى جيِد المرأة ؟!

- لا .. ليست الأشجار للزينة فقط ، وإن كانت الأشجار بحد ذاتها هى زينة ، بل إنها ضرورة واجبة ، فعندما تتنفس الأشجار، تنشُر حولها ( الأُكسجين ) ، تبثُّه فى مُحيطها ، فتنقى الهواء حولها ، وتُجدده ، كما تقوم بإمتصاص ، غاز ثانى أكسيد الكربون ، السام الذى تنفثه الطائرات ، المحلقة والهابطة ، فى أجواء المطار .

     وسألهُ الرجُل الثانى فى ود :

- هذا الكلام جيد ، لكنه معروف لنا جميعاً ، هذا دور الأشجار فعلاً ، لكن ما هو دورك أنت كخبير أشجار يعملُ فى المطار ؟!

- دورى أنا هو عدم السماح مُطلقاً ، بقطع شجرة واحدة من أشجار الغابة المحيطة بالمطار ، لأن الشجرة بلونها الأخضر نافع ومُفيد ، ودورى أيضاً .. عدم السماح لشجرة ، أن ترتفع إلى حد مُعين .

     فسأله مرة أخرى الرجُل الثانى ، مُتظاهراً بالدهشة :

- لماذا ؟ .. لماذا لا تسمح بشجرة أطول من إرتفاع مُعين ، ولشجرة أقصر من طول معين ؟

     فقال خليل :

- الشجرة الأطول ، ليس خوفاً من تهديدها للطائرات فقط ، بل خوفاً من تهديد الطائرات بضجيجها للطيور ، التى تبنى أعشاشها فوق قمم هذه الأشجار ..!

     فتظاهر الرجُل الأول بأنه يُصفق براحتيه ، لهذه الإجابة ، ثم واصل الإستماع إلى خليل :

- لأنها طيور بريئة وحمايتها فى رقبة الإنسان ..!

أما عدم سماحى بأشجار ، أقل من إرتفاع مُعين ، فذلك ، لكى لا يُسبب إنخفاضها الشديد ، الرُّعب فى قلوب الطيور الآمنة فى أعشاشها ، عند رؤيتها للفئران ، وهى تزَّحف على الأرض ، خلال الليل والنهار ..!

     فصفق الرجُل بيديه مرة أخرى تصفيقاً خفيفاً ، والتفت الرَّجُل الآخر ، وكأنه يهمس ، وقال :

- عندما يحترم إمرء مشاعر طير ، فهو يخبر عن حقيقة نفسه الخيرة ، دون حاجة إلى كلام كثير ..!

     فأومأ الرجل الآخر برأسه موافقاً ، وهو لا يزال مُحتفظاً بصرامة وجهه ، ثم وجه هو سؤالاً إلى خليل :

- والآن .. يا صديقى .. لماذا أنت إخترت العمل فى أفريقيا ، وليس فى أوروبا ، كما يتهافت الكثير جداً من الشباب ؟

- لأنى مصرى عربى إفريقى ، ولأنى أشعر بخوف على البيئة فى بلدى ، وفى وطنى الكبير أفريقيا !

    فقال الرجُل الأول لخليل مُنهياً هذه المقابلة :

- شكراً لك .. تفضل وانتظر خطابنا .

- أثناء إنصرافه .. لاحظ قبل خروجه من السِّفارة العدد الكبير، الذى يجلس فى حُجرة الإستقبال ، من المتقدمين لهذه الوظيفة .  منهُم من هو أكبر سنا ، أو أكثر وجاهة ، أوأجمل مظهراً ، ورُبما أكثر منه ثقافة وعِلمَاً .

     وشعر بأنه ، رُبما لا يكون هو الذى سيقع عليه الإختيار .

     وتأكد له هذا الشعور كُلما مضىَ يوم وآخر ، وأسبوع وآخر ، ولم يصلُه الخِطاب ، الذى وعدوا بإرساله إليه .

     ووصلُه الخطاب أخيراً ، وفضُّه بلهفة ، وكَرر قراءة هذه العبارة بالذات أكثر من مرة :

 - ( مبروك .. تم إختيارك صديقاً للبيئة ، مع تعيينك عضواً فى مجلس إدارة المطار ) !

إنتهت

 

 

author-img
عزت عبد العزيز جازي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent